الخبرية من وادي زم
إذا حدث وزرت مدينة وادي زم هذه الأيام وجلست في مقاهيها، فلن تسمع إلا موضوع (لحريگ) بعد أن ظل ” الأرناك” الوسيلة الوحيدة لطرد شبح البطالة وجني الأموال بتلك الطريقة، التي سيضرب عليها فيما بعد حصار قانونيا وتناقل أخبارها من لدن كبريات وكالات الصحافة العالمية ومساسها بسمعة وادي زم، وتعجيلها بإحداث تعديلات ببعض فصول مدونة القانون الجنائي في عهد وزير العدل السابق مصطفى الرميد وإصراره آنذاك على الرفع من عقوبة جريمة الابتزاز الإلكتروني، التي زجّ بموجبها بمئات المتهمين بتلك الجريمة من أبناء المدينة في السجون، حيث ساهمت هذه العوامل في الحد من الظاهرة بشكل كبير، وكذا القضاء على تجارة المخدرات الصلبة في مهدها بعد أن بدأت تجد طريقها إلى عدد من شباب المدينة بعدما حاول مروجوها جعل وادي زم سوقا لهم.
ورغم أن فترة (الأرناك) ساهمت في انتعاش الوضعية المادية للكثيرين آنذاك، خاصة الذين كانوا يحظون بالحماية من لدن مسؤولين في الشرطة، الذين حامت شكوك حول ثرواتهم التي ازدهرت في هذه الفترة.
وبتشديد تلك العقوبات كان لافتا في عدد من ملفاتها التي عرضت على أنظار المحكمة أن إدانة المتهمين لم تنزل فيها مدة الأحكام بالسجن النافذ عن اقل من سنة إلا نادرا منذ سريان العمل بذلك التعديل، وهو ما عجل بالقضاء على الظاهرة بنسبة فاقت التسعين بالمائة .
ولقد دفع هذا الخناق إلى مزيد من مظاهر المعاناة لدى الشباب المفتقد لفرص حقيقية للشغل بوادي زم بسبب انعدام الاستثمار بها عدا عن بعض المشاريع التي لا يتعدى عددها عدد أصابع اليد الواحدة، جميعها في قطاع التعليم الخاص، والصحة، ومعمل تعبئة أسطوانات الغاز اليتيم الذي لا يتعدى مستخدموه أربعون شخصا، وهو ما رفع من رقم الذين يعانون من البطالة والفقر بشكل ملفت، حيث لا يمكن لعينك أن تخطئ النظر حين ترى عشرات المقاهي بالمدينة لا يفارقها أولئك الشباب، كل يوم يمضون أوقاتهم فيها، كما كان أيضا لمخلفات (كورونا) تبعات نفسية واقتصادية واجتماعية على عائلاتهم، زادت هي الأخرى من مآسيهم وهو ما خلق حالة من الشعور (بالحگرة) لديهم والاحساس باللاانتماء لهذا الوطن الذي لم يلتفت لمدينتهم التي ضحت من أجله إبان فترة الاستعمار دون أن يرد لها الجميل أو يستفيد أهلها من ثروة الفوسفاط، التي استغلت زهاء قرن من الزمن بشكل غير عادل، ودون أن تساهم في ازدهارها مثل المدن الأخرى التي نشأت حديثا.
وكما كان لانتشار موجة الارناك قابلية وسط أبناء المدينة كان للهجرة السرية وركوب قوارب الموت بالقدر نفسه القابلية ذاتها. ففي مقاهيها هذه الأيام ورغم الفاجعة التي ألمت بالمدينة بسبب غرق قارب هجرة سرية فلا حديث سوى عن موضوعها، تجد أخبار: كم (حرگ) هذا الاسبوع؟ ومن أي حي هم ؟؟؟ وكم استغرقت الرحلة ؟؟؟ كل التفاصيل تجدها وكأن المدينة كلها باتت مستعدة للرحيل هربا من المستقبل المجهول، حتى أنك لتصدم من معرفة عدد الذين هاجروا مؤخرا حين تطلعك بين الفينة والاخرى مواقع التواصل الاجتماعي على عددهم، الذي فاق الثلاثة آلاف مهاجر سري، خلال ستة شهور فقط.
رقم قد يكون أكثر بكثير حسب ما يتداول، ذلك أن حيا صغيرا واحدا فقط هاجر منه 400 شخص، لكن إذا سلمنا بقبول ذلك الرقم فإننا نجد أنفسنا مذهولين من عائداته المالية على تجار البشر، خاصة وأن المبلغ في حده الأدنى الذي يدفعه كل مهاجر هو 30 ألف درهم، أي ما يساوي 90 مليون درهم. مبلغ بهذا الحجم يخرج من جيوب الفقراء لتشجيع أبنائهم على ركوب قوارب الموت يطرح علامات استفهام كبيرة ؟؟؟