متابعة سارة الأحمر – عبد الرحمان الزنادي
في إطار سعيه الدؤوب إلى النهوض بالثقافة المغربية جهويا ووطنيا، وتسليط الضوء على المنجز السردي المغربي، وبشراكة مع جمعية الشعلة- فرع مدينة خريبكة، ومنتدى أطلس للثقافة والفنون بخنيفرة، ونادي القلم المغربي، وبتنسيق مع جماعة أولاد بوغادي قيادة بني خيران دائرة وادي زم، التأم الملتقى الحادي عشر للسرديات الجهوية في دورته السادسة بجهة بني ملال- خنيفرة في موضوع: “الرواية والتحليل الاجتماعي”، وذلك يوم السبت 26 فبراير 2022، ابتداء من الساعة العاشرة (10:00) صباحا، بمركز جماعة أولاد بوغادي.
وبحضور جمهور غفير في فضاء القرية داخل خيمة واسعة ضمت الوافدين من الدار البيضاء والرباط وخريبكة وبني ملال ووادي زم وسطات، من طلبة الاجازة والماستر والدكتوراه من شعب الآداب والتاريخ والأدب الإنجليزي، استُهلت الجلسة الافتتاحية، التي نسق أشغالها “مصطفى داد”، رئيس مجلس جماعة أولاد بوغادي “ياسين أولماس”، بكلمة رحب فيها بالحضور وأشاد بدور مختبر السرديات وباقي الشركاء في خلق روابط التواصل بين المثقفين والبادية، من أجل استمرارية الفعل الثقافي على الصعيد الوطني.
وقد تلت كلمته، كلمة جمعية الشعلة- فرع خريبكة، التي قدمتها “فاطمة خمسي”، مؤكدة فيها على انخراط الجمعية في الفعل الثقافي بالمنطقة، وسعيها لتجديد أسئلتها حول المشهد الثقافي المغربي، وما تفرزه من قيم، انطلاقا من إيمانها بأن المثقف صانع للتاريخ ومحرك للوعي المرتبط بواقعه، الذي يستوحي منه أفكاره الأدبية والثقافية ويتفاعل بعمق مع همومه وانشغالاته، وقدم كلمة منتدى الأطلس للثقافة والفنون بخنيفرة ممثلها “محمد أبو العلا”، معبرا فيها عن سعادته بتجديد اللقاء السردي في هذا الملتقى الثقافي، كما أشاد بدور المختبر في خدمة الثقافة، خصوصا في هذا الزمن الذي تشتد فيه الحاجة إلى الارتباط بالرواية كالحلم، في وقت أصبح فيه العالم يدق طبول الحرب.
واختتمت الكلمات الافتتاحية، بكلمة مدير مختبر السرديات والخطابات الثقافية: “شعيب حليفي”، الذي أكد على استمرار المختبر والمثقف في مغامرة استكشاف تاريخنا الثقافي والاحتفاء بسرودنا وبتراثنا، مثلما أكد عن دلالات الملتقى الجهوي 11، والدورة السادسة لملتقى الجهة في ترسيخ الإيمان بدور المعرفة المرتبطة بالإنسان والمجتمع في التنمية، وأبان حليفي في كلمته كذلك عن حاجة الإنسان، اليوم، إلى تلك الثقافة التي تغوص في التفاصيل، وتستلهم ما في الأماكن من تاريخ خفي تارة ومطموس أحيانا، مشيرا إلى أن منطقة وادي زم قد أنتجت ملاحم بطولية قوية، معتبرا أن المثقف وحده هو الذي ينتبه إلى هذه المرويات، وهذا النبض الذي مازال حاضرا في هذا المكان.
كما ألمح في التجارب السردية الناضحة والمتفردة التي يزخر بها هذا الجزء من المغرب، وضرب مثالا برواية مخطوطة ( زمن الرحيل) لشاب من قرية الشكران اسمه حميد انتيفي، أبدع في الشكل ومغامرة الكتابة بشكل مدهش، رغم أنه لم يلتحق بالتعليم النظامي، ولكنه عاش في أجواء الفلاحة والرعي وتربية الماشية قبل أن يتحول إلى عامل بالديار الاسبانية، كاتب يستحق القراءة والالتفات إلى ما يكتبه هو وكل الكتاب من الهوامش المنسية.
بعد ذلك كان الحضور على موعد مع د/ “صالح شُكاك”، الذي قدم المحاضرة الافتتاحية في موضوع: “الرواية والتاريخ المحلي”، حيث أشار فيها إلى بعض النصوص الروائية التي طبعت التاريخ المحلي عربيا وعالميا، منها: رواية مئة عام من العزلة ل”غابرييل غارثيا ماركيث”، التي اختزلت تاريخ أمريكا اللاتينية، ورواية جسر على نهر درينا ل”إيفو أندرِتش”، هذا الجسر الذي يوجد بين البوسنة وصربيا والذي دمر في الحرب العالمية الأولى واختزل تاريخ البلقان، ورواية مدن الملح التي تناولت تاريخ منطقة الخليج، وكيف تحول البدو من رعاة إلى أمراء، سطات” لشعيب حليفي لما تحمله من ثراء عن المنطقة، ورواية المغاربة ل”عبد الكريم الجويطي”، ومجموعة من الروايات الأخرى من قبيل سمرقند ل”أمين معلوف”، سيرة الصبا ل”سليم بركات”، ومجنون الحكم والعلامة ل”بنسالم حميش”، والروايات العرفانية ل”عبد الإله بن عرفة”.
كما عرج على ذكر بعض مميزات الثقافة والمنطقة الهلالية (نسبة إلى بني هلال)، وأهمها السرعة في الأداء والعطاء، وكثرة الأولياء والصالحين.
بعد ذلك، نسقت “حليمة وازيدي” أشغال الجلسة الثانية، وقدم المداخلة الأولى فيها “عبد العالي دمياني” بعنوان: “المجتمع والقيم: مقاربة في رواية الشمس تنتحر” للجاحظ مسعود الصغير، إذ تطرق إلى رواية الشمس تنتحر عبر خمس نقاط توقف فيها على تبئيرها للحظات التحول المفصلية للمجتمع المحلي لتادلة، حيث رصدت انتقاله من قيم أصيلة ذات جوهر روحاني سادت في الماضي، إلى قيم جديدة ذات منزع مادي تتصف بالهجنة وسيادة النفعية.
كما رصد الباحث تحولات الخطاب الروائي، حيث أشار إلى أنه يتحول إلى خطاب نقدي لاذع ينحاز إلى المهمشين بكل فئاتهم الموصوفة في الرواية، من نساء ودراويش ومجاذيب ومتسولين وبسطاء، المشفوع باستثمار كثيف لمكونات الثقافة الشعبية وعناصر المتخيل المحلي.
وقدمت “مليكة حتيم”، المداخلة الثانية بعنوان: “محنة الوعي في رواية حب بحجم الألم” لمحمد عناني، حاولت من خلالها المتدخّلة إجراء حفريات على راوية “حب بحجم الألم”، والكشف عن المتخيل الاجتماعي الثاوي فيها؛ إذ إن الراوية، بحسبها، تسلط الضوء على المرحلة التي يزحف فيها الظلام وتنعدم الرؤيا في دهاليز الواقع، وتسطع فيها قناديل متناثرة هنا وهناك، وقد تلاعبت بها الرياح الهوجاء، فتكشف عورات الواقع كوعي قائم يخوض معترك البقاء للأنا المغتربة. وتتحدد ملامح بطل إشكالي متطلع، أبدا، إلى لحظة إشراق عصية على التملك، ممتطيا صهوة الزمن إلى حيث يرقد قلب معشوقته ” العلوة ” بعيدا في أرض الجدود.
وفي مداخلته ” السرد الروائي ورهان الإقناع الاجتماعي: رحلة في بطن التنين للزهرة الغلبي أنموذجا”، ” عالج عبد الرحمان ابعيوي” الرواية من منظور البلاغة المعاصرة، التي ترى أن الخطاب الروائي، هو الآخر، خاضع لنفوذ الموروث الخطابي القديم الجديد، وذلك، عبر بنيات؛ وهي: البنية اللغوية والبنية السردية والبنية الحجاجية، تأسيسا على أن الرواية تشتمل على بعد حجاجي، يُستشف في تطرقها لمواضيع اجتماعية خلافية يملك السارد عدة وجهات نظر إزاءها، والتي سعى المتدخل إلى تحديدها والتوقف على بلورتها، بتوظيف الاستراتيجيات الحجاجية الثلاث، وهي: الإيتوس والباطوس واللوغوس.
بعد هذه المداخلة، التي التمست في الدراسات البلاغية مفتاحا للولوج إلى المتخيل الاجتماعي للرواية، قدم “مصطفى فاروقي” ورقة حول: “سرد الذاكرة وتخييل التاريخ في رواية سيرة الجندي المجهول لعبد الإلاه حبيبي”، سعى فيها إلى تقديم إضاءة حول أساليب اشتغال المتخيّل التاريخي، متوقفا على كيفية تشخيص الرّواية المدروسة، مضامين الذاكرة المحلية، واختبار إمكانية الحديث عن انحياز الرواية لفضاءات الهامش والمهمّشين وهي تنفض الغبار عن فئة اجتماعية طواها النسيان، فئة الجنود المغاربة في الحرب العالمية الأولى، وإبراز طبيعة الشّخوص التّخييليّة التي أثّثت الكون الرّوائي في هذا العمل، والوقوف على آلية تحقّق عبورها من سجل الذاكرة إلى محفل الرواية.
وشدّد “عبد الرحمان مسحت”، متحدثا عن: بداية الحكاية في رواية مرارة السكر لمحمد المختار الشرايكي، ومؤكدا على عمد إلى تأصيل رواية مرارة السكر، ضمن الرواية المغربية والرواية العربية، كاشفا عن تراكب بنيتها السردية، وتأريخها لحي السكر الكائن بمدينة بوجنيبة، وهذا ما يظهر في الموضوعات التي تنكب عليها رواية “الشرايكي”. بالإضافة إلى العلاقة الوطيدة التي جمعت بين الشخصيات “يحيى” الملقب ب”ضون”، المتأثر بالأفكار الإيطالية والذي يقدس العائلة ويحترم العلاقات العاطفية والإنسانية، في علاقته مع البطلة “دنيا”، رمز الفتاة المتحررة، التي تتابع دراستها في انجلترا، وتتواصل معه بواسطة الرسائل، وتعود بعد ذلك وتشتغل مندوبة وزير الإسكان، والتي ستسهر على المشروع التنموي الذي سيقترحه هو، وسيكون مستشارها الخاص.
وعمدت ورقة “أمينة غالي” الإبداع السردي المحلي بجهة بني ملال خنيفرة بين تصوير المجتمع الخاص واحتضان الأفق الإنساني”، إلى تقديم أربعة أعمال سردية:
1/ “الأخطبوط المجنح” (قصص) لمحمد غلمي، وهو يبرز ارتباطه بشرطه التاريخي وتصويره للمجتمع التدلاوي في تناقضاته الاجتماعية وصراعه الطبقي، حيث تتجلى فيه مظاهر التهميش والفقر والانحراف، في ظل تحول اجتماعي لم تستطع المدن الأطلسية الصغيرة أن تواكب سرعته كما فعلت المدن الكبرى كالرباط.
2/ ” الريح التي تصيح دون تصريح”(قصص) لعلي وهبي، الذي سعى إلى ترجمة صرخة كاتبه في وجه الردة والانتكاسة التي عرفها الوعي النضالي المغربي، وتراجع مكتسبات اليسار في الاتحاد الاشتراكي، بسبب التباس المفاهيم واختلاط الرؤى وسديمية الواقع.
3/ “مرايا الظلال”(رواية) لعبد الغني عارف، الذي يعالج قضايا الوجود الإنساني، في رؤية فلسفية عميقة، تكشف عن ثقافة كاتبه وفكره، كما تحدد معالم حلم مشتهى.
4/ “ليالي تماريت”(رواية) لأمينة الصيباري، إذ يقوم على سبر أعماق مشاعر الأنثى، في إطار درامي، يتداخل فيه الذاتي مع التخيلي، إذ اختارت الكاتبة فيه، بحسب المُتدخلة، لعب لعبة السرد، حيث تتقمص الساردة-الشخصية دور الأنتربولوجي، وهي الفتاة الجامعية التي تسرد الحكاية في اعتباطية اللعب بورق المكسرات، في خطية زمنية تسلسلية، تُكسر رتابة الحكي فيها، عبر الاستطراد، والتذكر والحوار.
واختتمت المداخلات، بورقة “ياسين مروسي”، “صورة المثقف في الرواية المغربية: رواية التوحيدي في ضيافة الغزالي” لمحسن غربالي أنموذجا؛ أشار في بدايتها لى الوضع الاعتباري والطلائعي الذي يشغله المثقف، وإلى تفاعل الخطاب الروائي معه وقدم صورا ونماذج تبرز أدواره ووظائفه، تماشيا وانسجاما تاما مع طبيعة الرواية، التي تعتبر مجهرا يكشف عن تفاصيل المجتمع وأسراره.
ومن هنا، عملت هذه المداخلة على استجلاء صور المثقف في المجتمع العربي انطلاقا من رواية “التوحيدي في ضيافة الغزالي” لمحسن غربالي. الذي قدم صورا واضحة، تارة، عن المثقف ووظائفه، وصورا ثاوية، تارة أخرى، تطلبت من المُتدخّل نبشا في علاقة الشخصيات بالمجتمع ونظام السلطة داخله، وتحريا عن سمات المثقفين.
ولأن كل قراءة تحتاج إلى أدوات ومفاتيح، فقد استعان المُتدخّل بتأطير نظري، رصد من خلاله نظرة بعض المفكرين الغربيين والعرب لمفهوم المثقف، أمثال: أنطونيو غرامشي، وجوليان بيندا، وجون بول سارتر، وإدوارد سعيد ومحمد عابد الجابري، حيث سجل إجماعا على مركزية المثقف بوصفه فاعلا أساسيا داخل مجتمع لا يقبل التغيير بسهولة، ولا يستفيد من كنوزه وثروته البشرية، في بعض الأحيان.
وفي نهاية الملتقى، وبعد نقاش في الموضوع، قدمت كلية الآداب بنمسيك مجموعة من منشوراتها إلى ثلاث مؤسسات تعليمية ( إعدادية أيت عمّار وإعدادية الزرقطوني وثانوية الزرقطوني).
